غزة على حافة كارثة صامتة.. الذخائر غير المنفجرة تهدد مئات الآلاف وسط عجز صحي وإنساني

غزة على حافة كارثة صامتة.. الذخائر غير المنفجرة تهدد مئات الآلاف وسط عجز صحي وإنساني
الذخائر غير المنفجرة في غزة بعد الحرب

حذّر مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية اليوم السبت من أن الذخائر غير المنفجرة باتت تمثل أحد أكبر التهديدات المباشرة لحياة المدنيين في قطاع غزة، خاصة مع ازدياد حركة السكان في مختلف مناطق القطاع عقب وقف إطلاق النار، وأكد المكتب أن الخطر لم يعد محصوراً في مناطق محدودة من الدمار، بل أصبح منتشراً على نطاق واسع في جميع أنحاء القطاع، ما يجعل كل خطوة في الشوارع المهدمة وكل محاولة للعودة إلى المنازل المدمرة مخاطرة حقيقية.

وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن نحو 16,500 شخص من سكان غزة باتوا بحاجة إلى تلقي الرعاية الطبية خارج القطاع، وهو رقم يعكس حجم العجز الذي تعيشه المنظومة الصحية بعد شهور من الحرب، وانهيار قدرة المستشفيات على التعامل مع الإصابات المعقدة، ومنها الإصابات الناجمة عن ذخائر غير منفجرة وفق قناة "الغد".

تلوث واسع النطاق

في تصريحاته الأخيرة، أوضح لوك إيرفينغ، رئيس بعثة دائرة الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام في الأرض الفلسطينية المحتلة، أن التلوث بالذخائر غير المنفجرة في غزة "واسع النطاق إلى حد كبير"، لكنه أكد أن المستوى الكامل للتلوث لن يُعرف قبل تنفيذ مسح شامل، وهي مهمة شبه مستحيلة في الظروف الحالية، وسط انهيار البنية التحتية وغياب معدات التفتيش المتخصصة واشتداد الأزمة الإنسانية.

إيرفينغ شدد أيضاً على أن الخطر لا يهدد المدنيين فحسب، بل يشمل العاملين في المجال الإنساني الذين يقومون بعمليات الإغاثة، إذ تعبر فرق الطوارئ مناطق لم تخضع لأي تقييم هندسي أو تفتيش ميداني.

أكثر مناطق العالم تلوثاً بالقنابل غير المنفجرة

وفي تقرير بارز، أكدت مجلة "إيكونومست" البريطانية أن قطاع غزة قد يكون الآن أكثر منطقة ملوثة بالقنابل غير المنفجرة في العالم مقارنة بمناطق صراع كأفغانستان، سوريا، العراق، وأوكرانيا، ويرجع السبب إلى كثافة القصف، ونوعية الذخائر المستخدمة، وعدد المباني التي استهدفت بضربات مباشرة أو غير مباشرة.

ووفق المجلة، فإن آلاف القنابل الإسرائيلية، خاصة تلك المزوّدة بآليات تفجير مؤجلة، قد تكون مخفية الآن تحت طبقات من الركام وفي أعماق الأرض، حيث لا يمكن اكتشافها بسهولة، ولا تظهر إلا عند انفجارها العشوائي أثناء عمليات الإنقاذ أو إزالة الأنقاض أو دخول السكان إلى منازلهم المدمرة.

الخطر الذي لا يُرى

تقول تقديرات هندسية إن عدداً كبيراً من الذخائر التي استخدمها الجيش الإسرائيلي خلال العمليات العسكرية مزوّد بآليات تفجير مزدوجة أو مؤجلة، ما يعني أن القنبلة قد تخترق طوابق المبنى أو تنفجر في وقت متأخر في موقع مختلف عن نقطة الاصطدام، وهذه الخصائص تزيد من صعوبة تحديد مواقع القنابل، وتجعل عمليات إزالة الأنقاض عملاً شديد الخطورة، حتى على الفرق المدربة.

وتشير منظمات إغاثية إلى حوادث متكررة لانفجارات وسط أحياء مدمرة خلال محاولات السكان جمع أغراضهم أو البحث عن ناجين، ما يكشف العلاقة المباشرة بين حجم التلوث وعدد الإصابات اليومية.

إعاقة جهود الإغاثة وتفاقم الأزمة الصحية

يمثل انتشار الذخائر غير المنفجرة أحد أكبر العراقيل أمام فرق الإغاثة المحلية والدولية، إذ تحول القنابل المخبأة دون الوصول إلى مناطق واسعة من القطاع، مما يعرقل إيصال المساعدات وإخلاء الجرحى وتوزيع المياه والأغذية.

وفي ظل غياب معدات متطورة لنزع الألغام، يجد المسعفون أنفسهم أمام مهام شبه انتحارية، خصوصاً في المناطق الشمالية والشرقية من غزة، حيث الدمار هو الأعمق.

أما على مستوى القطاع الصحي، فيعاني آلاف الجرحى من إصابات تحتاج إلى عمليات جراحية معقدة لا يمكن إجراؤها داخل غزة بسبب نقص الأدوية وأجهزة التصوير الجراحية وأطقم العناية المركزة، وهذا ما يفسّر ارتفاع عدد المحتاجين للعلاج خارج القطاع إلى أكثر من 16,500 شخص، معظمهم ممن أصيبوا بانفجارات حديثة أو ناجين من إصابات شديدة خلال الحرب.

المدنيون يدفعون الثمن

يرى خبراء القانون الدولي الإنساني أن انتشار الذخائر غير المنفجرة يمثل انتهاكاً متعدد الأوجه، نظراً لاستمرار تأثير الأسلحة بعد انتهاء الأعمال القتالية، وهو الأمر الذي يُصنّف ضمن المخاطر التي تضع المدنيين في دائرة الاستهداف غير المباشر.

وتؤكد منظمات حقوقية أن ترك قطاع غزة بهذا المستوى من التلوث يمثّل تهديداً طويل المدى، قد يمتد لعقود، ويمنع إعادة الإعمار ويجبر مئات الآلاف من النازحين على البقاء خارج منازلهم.

كما يشير حقوقيون إلى أن وجود هذه الذخائر في الأحياء السكنية قد يُشكّل جريمة محتملة تتعلق باستخدام أسلحة ذات آثار دائمة وغير قابلة للتمييز، وهو ما يستوجب تحقيقات دولية وتعاوناً فنياً عاجلاً من الأطراف المعنية.

ألغام تعرقل الحياة اليومية

يواجه سكان القطاع معركة يومية ليست مع الجوع أو المرض أو النزوح فقط، بل مع الخطر المتربص تحت الأنقاض، فكل محاولة لإصلاح منزل، أو نقل حجر، أو دخول شارع فرعي قد تؤدي إلى انفجار مميت.

وتشير التجارب الدولية إلى أن إزالة آثار القنابل غير المنفجرة في مناطق كالعراق ولبنان وسوريا استغرق سنوات طويلة، رغم توفر معدات متقدمة ومساعدة دولية لم تتوفر بعد في غزة، حيث لا تزال فرق نزع الألغام عاجزة عن الوصول إلى معظم المناطق.

الحاجة إلى خطة دولية عاجلة 

تكشف التحذيرات الأممية الأخيرة أن الخطر في غزة لم ينتهِ مع توقف القصف، بل ربما بدأ فصل جديد من التهديدات التي لا يمكن رؤيتها بالعين المجردة، ومع غياب خطة شاملة لمسح الأراضي ونزع الذخائر، تتجه غزة نحو مرحلة قد تكون فيها الذخائر غير المنفجرة أخطر من الحرب نفسها.

تحتاج غزة اليوم، وفق خبراء الأمم المتحدة، إلى برنامج دولي واسع ومعقّد لنزع الألغام، يصاحبه دعم طبي عاجل لإجلاء آلاف الجرحى، وإجراءات حقوقية تضمن مساءلة الأطراف التي استخدمت الأسلحة المسببة للتلوث طويل الأمد.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية